في عالم السجون.. دموع وشجون.. بين نادم محزون.. وخاسر مغبون.
من أحد العنابر في إصلاحية الحائر بمدينة الرياض عاصمة بلاد الحرمين حرسها الله أنقل لكم مشاهد هذه القصة، حيث يقضي بطل قصتنا أيامه وراء القضبان.
والعجيب، أن هذه الإصلاحية لها من إسمها -الحائر- معانٍ صادقة.. تتجسد في فئام من البشر لم تزل حائرة على الطريق، زائغة عن الصراط المستقيم، إلا من هدى الله.. وكم في -الحائر- من حائر.
إنه شاب من شبابنا.. كتب لي بخط يده ودموع عينيه قصة حياته المؤلمة، فأحببت أن أروي قصته، مستعيناً بالله تعالى، راجياً أن ينفع بها من وقف عليها.
يقول هذا الشاب: بدأتُ حياتي منذ نعومة أظفاري في أسرة عمادها الطهر والفضيلة.
لا أنسى أيام الطفولة الجميلة يوم أن دخلت المدرسة الابتدائية.. كنت لا أرضى بأي تقدير دون الإمتياز.. وبالفعل كان التفوق والإمتياز حليفي حتى وصلت إلى المرحلة المتوسطة حيث تغير مجرى حياتي.
في السنة الأولى من المرحلة المتوسطة التقيت بمجموعة من الشباب المنحرفين، وكنت أعلم أن والدي لا يرضى أن أرافق أهل السوء.. فبدأت أولى خطوات الشيطان بالإلتقاء معهم دون علم والدي.
مضت الأيام وخطواتي الشيطانية تمتد مع كل أسف يوماً بعد يوم.. وسرعان ما أوصلتني الخطوات الطويلة إلى بلاد العهر والرذيلة، حيث وقعت في السفر إلى تلك البلاد مع رفقة السوء.
لم أكن أملك في ذلك الوقت إلا القليل من النقود.. ومع تكاليف السفر، وإنفاقي على الشهوات كان لابد لي من مصدر أحصل منه على المزيد من المال، فكانت الخطوة الشيطانية الرذيلة بإشتراكي مع بعض رفاقي في السرقة.
وبعد أيام من تعلّم السرقة، وممارسة النصب والإحتيال أصبحت أمهر العصابة في جمع المال، فصرت زعيماً لهم، أتحكم فيهم كيف أشاء، ومع توفر المال إستقبلت حياة الوهم الجديدة وأتنقل بين أفخر الشقق المفروشة.. وأتناول أفخر الأطعمة.
كنت أظنُّ أن المال هو طريقي إلى السعادة .. فكل شيء يمكن الحصول عليه بالمال.
مضت الأيام وأنا ألهث، وألهث، بحثاً عن السعادة، ولكن دون جدوى.. فقد كنت كالذي يشرب من ماء البحر، لا يزداد بالشرب إلا عطشاً.
ولما لم أجد ضالتي في حياتي البائسة، توجّهت إلى عالم آخر أبحث فيه عن السعادة، حيث المخدرات، ومعاقرة النساء العاهرات.
بلغ إنفاقي اليومي قرابة الخمسة آلاف ريال بسبب إدماني على المخدرات ووقوعي في علاقات مع بعض النساء.. ومع هذا كله لم أكن أشعر بالسعادة إلا لحظات قليلة، ثم يتحول يومي بعدها إلى هموم وأحزان.
لقد غرقت في بحور الشهوات.. وتهت في دهاليز الظلمات.. نكد في العيش.. وظلمة في القلب.. وضيق في الصدر.. كل ذلك بسبب إعراضي عن ذكر ربي.
ولم أزل أمارس جريمة السرقة حتى شاء الله تعالى أن يقبض علي متلبساً بالسرقة مع بعض رفاق السوء.. وما هي إلا لحظات وأنا حبيس وراء القضبان.
في ظلمة السجن.. إستيقظت من غفلتي، وكأن صورة والدي الحبيب أمامي، وإذا بنصائحه المشفقة وكأني أسمعها لأول مرة.. شعرت وكأنما نداء الرحمة في أعماق قلبي.. يناديني: ألا تستحيي من الله؟.. ألا تتوب إلى الله؟.
بلى.. أريد أن أتوب.. لكن الأمر لم يكن سهلاً.
عشت صراعاً مريراً بين نفسي التي تعلقت بالشهوات، وبين نداء الإيمان في قلبي.. وبينما أنا بين أمواج الصراع إذ بالقاصمة تنزل على ظهري.. ففي أحد الأيام اتصلت بأهلي لأطمئن عليهم، فإذا بالخبر المؤلم: أحسن الله عزاءك.
من الفقيد؟ إنه والدي الحبيب.
بكيتُ بكاءً مراً، وحزنت حزناً شديداً على هذا الأب الرحيم، الذي طالما بكى وبكى بسبب إجرامي وإنحرافي.
كانت هذه الأحداث المؤلمة بداية حقيقية للاستقامة والإنابة إلى الله تعالى.
لقد أقلعت عن الذنوب والعصيان.. وأقبلت على الصلاة والقرآن.
وأخيراً.. وبعد سنوات من الألم والمعاناة.. وجدت السعادة.. أتدرون أين؟
لقد وجدتُها في هذا البيت :
ولستُ أر السعادة جمع مالٍ *** ولكن التقي هو السعيد
إنني أحدثكم الآن بين جدران السجن، وأنا أشعر ولله الحمد براحة نفسية لم أذقها في حياتي.. إعتكفت بمسجد السجن ثلاثة أشهر حفظت خلالها خمسة أجزاء.
أصبح حفظ القرآن سهلاً بسبب إقلاعي عن الذنوب.. ثم منّ الله علي فأصبحت إماماً للمصلين بمسجد السجن.
صدقوني.. لم أعد أفكر في موعد إنتهاء المدة، وخروجي من السجن.
ولماذا أفكر؟ وقد كنت قبل دخولي السجن حبيساً عن ربي.. أسيراً لهواي.. سجيناً بين جدران شهوتي.. أما الآن فقد أطلق الإيمان سراحي، وأعاد لي حريتي.
صدقوني.. إنني الآن حر طليق، وراء القضبان.. إنني راضٍ عن ربي وأسأله أن يرضى عني، وأن يكفر عني ما سلف في أيامي الخالية، وأن يثبتني على دينه حتى ألقاه، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
الكاتب: سامي الحمود.
المصدر: موقع ياله من دين.